فصل: قال ابن المثنى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب * ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني...} قلنا إن الوفاة هنا بمعنى الرفع حتى يصير الأمر تقعيدي، الوفاة في كتاب الله على ثلاثة أضرب.
لفظ الوفاة في كتاب الله على ثلاثة أضرب:
الوفاة بمعنى الموت وانقضاء الأجل، ومنه قول الله تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها} (42) سورة الزمر، أي حين انقضاء أجلها. ومنه قول الله تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها} (42) سورة الزمر.
والوفاة بمعنى النوم قال الله جل وعلا: {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار} (60) سورة الأنعام. الوفاة بمعنى النوم قال الله تعالى: {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار} (60) سورة الأنعام.
والوفاة بمعنى الرفع وهي الآية التي بين أيدينا {فلما توفيتني} أي رفعتني {كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد} ولا ريب أن الله على كل شيء شهيد.
ثم قال الله جل وعلا على لسان عيسى: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} (118) سورة المائدة.
وهذه من أعظم آيات القرآن في المعاني، ومعناها كثير لكن نحوم حولها وفق التالي:
أولا معناها:
الله جل وعلا أرحم بعباده من أنفسهم، أرحم بخلقه من أنفسهم فلما يحق العذاب على أحد فمعنى قطعا أنهم مستحق تماما للعذاب لو لم يكن عبدا متمردا مستحقا للعذاب لما عذبه الله لأن الله أرحم بنا من أنفسنا وأرحم بالعبد من الوالدة بولدها، أرحم بالعبد من الوالدة بولدها فقوله: {إن تعذبهم فإنهم عبادك} يعني لو ما كانوا يستحقون أنت ما عذبتهم والأصل أنهم عبادك، مملوكون لك تفعل وتحكم فيهم ما تشاء {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} ولم يقل عيسى هنا وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم، وهذا مرده إلى أننا كما بينا قبل قليل أن الموقف موقف عظمة وخطب جليل ولا يريد عيسى أن يظهر بمظهر من يملي على ربه ما يفعل ولذلك قال بما يناسب واقع الحال: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} بمعنى أنك لو غفرت غفرت وأنت قادر على أن تعذب لكن لحكمة لم تعذبهم وإلا فليس عفو الله عمن يعفو عنه لضعف أو عجز كما يفعل بعض أهل الدنيا، تجيء مثلا لمدير ضعيف شخصية ويتأخر المدرس هو خوفا منه المدرس هذا له قرابات له شفاعات يقول سامحناك المرة هذه لن نكتب فيك، فهذا عفو لكنه ناجم عن ضعف، لكن عفو الله جل وعلا عمن يعفو عنه ناتج عن عزة وقدرة وإلا فإن الله قادر على أن يعذبهم ولذلك قال عيسى {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}، هذه الآية ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قام ليلة لا يردد إلا هذه الآية، وثبت عند مسلم وغيره من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله جل وعلا على لسان إبراهيم: {رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم} (36) سورة إبراهيم، وقول الله في هذه الآية على لسان عيسى {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}، ثم بكى صلى الله عليه وسلم فلما بكى جاءه جبرائيل بعد أن بعثه الله سل محمدا علام يبكي؟ والله أعلم بسببه فجاءه جبرائيل سأله فقال: (إني أخشى على أمتي) فبعث الله جل وعلا جبرائيل ليقول له: (إن الله لن يسوءك في أمتك) ولهذا قال العلماء: «إن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة مرحومة»، أخذوها من هذا الحديث.
أن الله جل وعلا وعد نبيه أنه لن يسوءه في أمته والله جل وعلا لا يخلف الميعاد والنبي صلى الله عليه وسلم يسوءه ألا ترحم أمته والله وعده ألا يسوءه فهذا على وجه الإجمال أن هذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة مرحومة.
ينتهي الموقف بقول الله تبارك وتعالى: {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} صدقوا في النيات صدقوا في الأقوال صدقوا في الأعمال فكان صدقهم هذا ينفعهم بين يدي ربهم ولذلك الجزاء من جنس العمل و{هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} (60) سورة الرحمن، فلما صدقوا مع الله قال الله جل وعلا: {في مقعد صدق عند مليك مقتدر} (55) سورة القمر، الجزاء من جنس العمل، قال الله جل وعلا: {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم} (119) سورة المائدة، هذه أتم نعمة ولا توجد نعمة بعد رؤية وجه الله أعظم من رضوان الله وهي آخر ما يعطاه أهل الجنة. بلغنا الله وإياكم رضوانه.
ثم ختم الله جل وعلا السورة كلها بقوله: {لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير} (120) سورة المائدة. وقلنا مرارا إن تقديم الخبر نوع من أنواع الحصر والمعنى أن الله جل وعلا المالك وحده لما في السماوات وما في الأرض وما بينهن وما فيهن وهو تبارك وتعالى على كل شيء قادر يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد يقدم من يشاء بفضله ويؤخر من يشاء بعدله، ولا يسأله مخلوق عن علة فعله ولا يعترض عليه ذو عقل بعقله.
هذا ما تيسر إيراده من سورة المائدة فلله الحمد على توفيقه وإحسانه نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما قلنا. هذا والله تعالى أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين.

.من مجازات القرآن في السورة الكريمة:

.قال ابن المثنى:

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
سورة
{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (1) واحدها عقد، ومجازها: العهود والأيمان التي عقدتم. وقال الخطيئة:
قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم ** شدّوا العناج وشدّوا فوقه الكربا

ويقال: اعتقد فلان لنفسه، ويقال: وفيت وأوفيت.
{وَأَنْتُمْ حُرُمٌ (1)} واحدها حرام، قال:
فقلت لها فيئى إليك فإنّنى ** حرام وإنى بعد ذاك لبيب

أي مع ذاك، والمعنى محرم.
{شَعائِرَ اللَّهِ (2)} واحدتها شعيرة وهى الهدايا، ويدلك على ذلك قوله: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (2/ 196)، وأصلها من الإشعار وهو أن يقلّد، أو يحلل أو يطعن شقّ سنامها الأيمن بحديدة ليعلمها بذلك أنّها هدية، وقال الكميت:
نقتّلهم جيلا فجيلا تراهم ** شعائر قربان بها يتقرّب

الجيل والقرن واحد، ويقال: إن شعائر اللّه هاهنا المشاعر الصّفا والمروة ونحو ذلك.
{وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ (2)} ولا عامدين، ويقال: أممت.
وتقديرها هممت خفيفة. وبعضهم يقول: يمّمت، وقال:
إنّى كذاك إذا ما ساءنى بلد ** يمّمت صدر بعيري غيره بلدا

{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ (2)} مجازه: ولا يحملنّكم ولا يعدينّكم، وقال:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة ** جمعت فزارة بعد ما ان يغضبوا

ومجاز {شَنَآنُ قَوْمٍ} أي بغضاء قوم، وبعضهم يحرّك حروفها، وبعضهم يسكّن النون الأولى كما قال الأحوص:
وما العيش إلّا ما تلذّ وتشتهى ** وإن لام فيه ذو الشّنآن وفنّدا

وبعضهم يقول: {شَنَآنُ قَوْمٍ} تقديره «أبان»، ولا يهمزه، وهو مصدر شنيت، وله موضع آخر معناه: شنئت حقك أقررت به وأخرجته من عندى كما قال العجّاج:
زلّ بنو العوّام عن آل الحكم ** وشنئوا الملك لملك ذى قدم

شنئوا الملك: أخرجوه وأدّوه وسلّموا إليه. وقدم. قال اللّه تبارك وتعالى: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (10/ 2) قدم: منزلة ورفعة، وقدم من القديم، وقدم إذا تقدم أمامه، وقال الفرزدق:
ولو كان في دين سوى ذا شنئتم ** لنا حقّنا أو غصّ بالماء شاربه

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ (3)}: مخفّفة، وهى تخفيف ميّتة، ومعناهما واحد، خفّفت أو ثقّلت. كقول ابن الرّعلاء:
ليس من مات فاستراح بميت ** إنما الميت ميّت الأحياء

إنما الميت من يعيش ذليلا ** سيّئا باله قليل الرّجاء

واسم ابن الرّعلاء كوتىّ، والكؤتىّ، والكوتىّ يهمز، ولا يهمز.
والكوتى من الخيل والحمير: القصار. قال: فلا أدرى أيكون في الناس أم لا قال: ولا أدرى الرّعلاء أبوه أو أمّه.
{وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ (3)} مجازه: وما أهلّ به لغير اللّه، ومعناه:
وما ذكر غير اسم اللّه عليه إذا ذبح أو نحر، وهى من استهلال الكلام، قال رجل، وخاصم إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلم في الجنين: «أرايت من لا شرب ولا أكل ولا صاح فاستهلّ، أليس مثل ذلكم يطلّ». ومنه قولهم: أهلّ بالحجّ أي تكلّم به، وأظهره من فيه.
وقال ابن أحمر:
يهلّ بالفرقد ركبانها ** كما يهلّ الرّاكب المعتمر

يقال: معتمر ومعتم، والعمار والعمامة، وكل شئ على الرأس من إكليل أو تاج أو عمامة، فهو عمار وله موضع آخر.
ما ذبح لغيره، كقول ابن هرمة:
كم ناقة قد وجأت لبّتها ** بمستهلّ الشّؤبوب أو جمل

أي بمنفجر.
{وَالْمُنْخَنِقَةُ (3)}: التي انخنقت في خناقها حتى ماتت.
{وَالْمَوْقُوذَةُ (3)}: التي تضرب حتى توقذ فتموت منه أو ترمى يقال: رماه بحجر، فوقذه يقذه وقذا ووقوذا.
{وَالْمُتَرَدِّيَةُ (3)}: التي تردّت فوقعت في بئر أو وقعت من جبل أو حائط أو نحو ذلك فماتت.
{وَالنَّطِيحَةُ (3)}: مجازها مجاز المنطوحة حتى ماتت.
{وَما أَكَلَ السَّبُعُ (3)} وهو الذي يصيده السّبع فيأكل منه ويبقى بعضه ولم يذكّ، وإنما هو فريسة.
{إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ (3)}: وذكاته أن تقطع أوداجه أو تنهر دمه وتذكر اسم اللّه عليه إذا ذبحته، كقوله:
نعم هو ذكّاها وأنت أضعتها ** وألهاك عنها خرفة وفطيم

الخرفة اجتناء، اخترف اجتنى.
{وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ (3)} وهو واحد الأنصاب، وكان أبو عمرو يقول: نصب بفتح أوله ويسكن الحرف الثاني منه.
والأنصاب: الحجارة التي كانوا يعبدونها، وأنصاب الحرم أعلامه.
{وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ (3)} وهو من استفعلت من قسمت أمرى، بأن أجيل القداح لتقسم لى أمرى: أأسافر أم أقيم أم أغزو أو لا أغزو ونحو ذلك فتكون هي التي تأمرنى وتنهانى ولكلّ ذلك قدح معروف وقال:
ولم أقسم فتر بثني القسوم